حكم حديث القرآن هدى من الضلال
السؤال: ما صحة هذا الحديث الموجود ببعض المنتديات : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( القرآن هدى من الضلال ، وتبيان من العمى ، واستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار ) ؟
الجواب :
الحمد لله
ليس لهذا الحديث أصل في كتب السنة والآثار ، ولم نقف عليه لا مسنداً ولا معلقاً في شيء من كتب أهل العلم .
وإنما
شاع وانتشر في كتب الرافضة المليئة بالأكاذيب والترهات ، حيث يرويه الكليني في " الكافي " (2/600-601) فيقول :
" أبو علي الأشعري ، عن بعض أصحابه ، عن الخشاب رفعه ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ( لَا وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ الْأَمْرُ وَالْخِلَافَةُ إِلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَبَداً ، وَلَا إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ أَبَداً ، وَلَا فِي وُلْدِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَبَداً ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَبَذُوا الْقُرْآنَ ، وَأَبْطَلُوا السُّنَنَ ، وَعَطَّلُوا الْأَحْكَامَ ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله : الْقُرْآنُ هُدًى مِنَ الضَّلَالِ ، وَتِبْيَانٌ مِنَ الْعَمَى ، وَاسْتِقَالَةٌ مِنَ الْعَثْرَةِ ، وَنُورٌ مِنَ الظُّلْمَةِ ، وَضِيَاءٌ مِنَ الْأَحْدَاثِ ، وَعِصْمَةٌ مِنَ الْهَلَكَةِ ، وَرُشْدٌ مِنَ الْغَوَايَةِ ، وَبَيَانٌ مِنَ الْفِتَنِ ، وَبَلَاغٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ ، وَفِيهِ كَمَالُ دِينِكُمْ ، وَمَا عَدَلَ أَحَدٌ عَنِ الْقُرْآنِ إِلَّا إِلَى النَّارِ )
وهذا الأثر - كما ترى – ضعيف الإسناد جدا ، بل مكذوب مخترع ، بسبب جهالة أصحاب أبي علي الأشعري ، وعدم التثبت من الاتصال في إسناده ، وبسبب إرساله .
ولذلك لا يقبل مثل هذا الإسناد ، بل إن بعض الرافضة ردوا هذه الرواية وحكموا عليها بالضعف ، مثل المجلسي في " مرآة العقول " (12/481) ، والبهبودي في " صحيح كتاب الكافي ".
وأما أبو علي الأشعري فهو : " أحمد بن إدريس الفاضل ، أبو علي القمي الأشعري ، من كبار مصنفي الرافضة ، مات سنة ست وثلاث مائة ، وذكره أبو الحسن بن بابويه في تاريخ الري ، ونسبه فقال : أحمد بن إدريس بن زكريا بن طهمان ، كان من قدماء الشيعة ، روى عنه جماعة من شيوخ الشيعة ، منهم علي بن الحسين بن موسى ، ومحمد بن الحسن بن الوليد ، وقدم الري مجتازاً إلى مكة ، فمات بين مكة والكوفة " انتهى من " لسان الميزان " (1/136).
ولم يكتف الرافضة بنشر واعتماد مثل هذه الروايات المكذوبة ، بل ذهبوا يؤولون ما جاء فيها بالتأويلات الباطنية المذمومة .
وفي كتب الرافضة من الكذب على أبي عبد الله – وهو جعفر الصادق (ت 148هـ) – الشيء الكثير ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " لم يكذب على أحد ما كذب على جعفر الصادق مع براءته " انتهى من " منهاج السنة " (4/143) ، حتى قال جعفر الصادق - كما تروي كتب الشيعة -: ".. إن الناس أولعوا بالكذب علينا.." انتهى. انظر: " بحار الأنوار " (2/246)، وكانت مصيبة جعفر أن اكتنفه - كما تقول كتب الشيعة – قوم جهال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون : حدثنا جعفر بن محمد ، ويحدثون بأحاديث كلها منكرات كذب موضوعة على جعفر ، ليستأكلوا الناس بذلك ، ويأخذوا منهم الدراهم.." انتهى. ينظر "رجال الكشي" (ص 208-209).
ومع ذلك كله نقول :
إن وصف القرآن الكريم بالنور ، والهدى ، والضياء ، والبيان وغير ذلك من الأوصاف الجليلة كلها ثابتة في الكتاب الكريم نفسه .
يقول تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) الإسراء/9.
ويقول سبحانه : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الإسراء/82.
وقال عز وجل : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل/89.
وقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ) النساء/174.
والآيات في هذا الباب كثيرة .
والله أعلم .